الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل الثامن والأربعون: من علم أن هبات الدنيا هبا حل من غل ذل.الدنيا تعطي تفاريق وتسترجع جملًا، وترضع أفاويق وتقطع عجلًا، يواني خيرها وإن واتى لمعا، ثم يأتي شرها حين يأتي دفعا، فترى العبرات عند فقدها تراق ولا ترقا، والزفرات عند سلبها تهد ولا تهدأ، ويحكم أن المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه.إخواني: ذودوا هممكم عن مرعى المنى فإنه يزيدها عجقًا، ولا تولوا الهوى على ميدان الأبدان {إنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أوْ أَنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفساد}. الهوى وثن ينصب في جاهلية الشباب فإن صح إسلام العزم جعل أصنام الشهوات جذاذًا.يا معاشر الشباب زيدوا في سلاسل الهوى فإن شيطان الهوى مارد، زنوا حلوى المشتهى بمر العقاب يبن لكم التفاوت، إلى متى يقودكم الهوى؟ إلى متى تستعبدكم الدنيا؟.للشريف الرّضيّ: إلى متى جمود الإناث؟ أين الحركة الرجولية؟.للمهيار: الجد الجد فالطريق طويلة، دار الناقة بذكر الدار عللها بصوت الحداة، فإذا لاح لها المنزل فشوقها يسوقها.للمهيار: إخواني: انبعاث الجوارح في العمل دليل على قوة العلم بالأجر، فإذا حصل تسليم النفوس في الجهاد إلى القتل كان النهاية في كمال اليقين، فإذا وقع الفرح بأسباب التلف دل على كمال المحبة، كما قال عبد الله بن جحش اللهم سلِّط علي غدًا عدوًا يبقر بطني ويجدع أنفي، فإذا لقيتك قلت هذا فيك ومن أجلك.وطعن حرام بن ملحان، فنفذ فيه الرمح فقال: فزت وربِّ الكعبة. لو رأيتهم والمعترك قد اعتكر وقد تقدموا في القدموس فانبلج الأمر وجاش جأش الجيش في أُفُرّة فلم يتميز الهلقام السرعرع، من القلهزم الحنزقرة، وإذا الغضنفر الدمكمك والقخر العلندي والضباضب الدلامر كلهم في مقام أجفيل فلما انزعجت الطباع تذكروا قبيح الجناية، فمدوا أيدي التسليم للودايع، فخضب الدماء محاسن وجوه، طال ما صبرت على برد الماء وقت الإسباغ، وحصدت مناجل السيوف زروع روس طال ما أطرقت في الأسحار، وعادت خيولهم خلية عنهم فوطئتهم بعد السنا تحت السنابك، واقتسم لحومهم عقبان السماء وسباع الأرض، فكم من رجل رجل، طالما قامت فصلت فصلت، وكم من يد بالدعاء رفعت وقعت، وكم من بطن حمل بالصيام ما شق شق، وكم من عين كانت تعين الحزين بالفيض وقعت في منقار طائر هذا حديث الأجسام فأما الأرواح ففي دار السلام، والله ما كانت إلا غفوة حتى أعطاهم العفو عفوا عفوه، وكأنكم بأجسادهم التي تفرقت قد تلفقت، وبالقبور التي جمعتهم قد تشققت، وقد قاموا بالسلاح حول العرش ينادون بلسان الحال، عن صاحبه حاربنا ولأجله قتلنا، وكلومهم يومئذ قد انفجرت فجرت، اللون لون الدم والريح ريح المسك، فليعلم الأشهاد حينئذ أنهم الشهداء، اسمع يا من لا يحارب الهوى ولا ساعة فلو فاتتك الغنائم وحدها قرب الأمر، وإنما لقب جبان قبيح، أين أرباب العزائم القوية؟ امتلأت بالأبرار البرية، رحلوا عنها وفاتوا، ونحن متنا وهم ما ماتوا. .الفصل التاسع والأربعون: عجبًا لراحلٍ عن قليل غافل عن زاد الرحيل لا يعتبر بأخذ الجيل وإنما هو تأخير وتعجيل، أين النزيل؟ أزيل. أين القويم؟ أميل. أين المطمئن؟ اغتيل.تيقظوا فالأيام دائبة، وتحفظوا فالسهام صائبة، واحذروا دنياكم فما هي مواتية، واذكروا أخراكم فها هي آتية، أما رأيتم الدنيا فقد أبانت خدعها ومكرها، إذا بانت من جمعها مكرها، أين الارتياد للسلامة غدًا، أين الاستعداد؟ قبل الندامة أبدا، كأنكم بالمسير عن الربع قد أزف، وبالكثير من الدمع قد نزف، وبالمقيم قد أبين مما ألف، وبالكريم قد أهين لما تلف. عباد الله من تعلق قلبه بالجنة لا يصلح لنا، فكيف بمن يهوى الدنيا؟. السلطان لا يزاحم في داره، «لا يسعني شيءٌ ويسعى قلب عبدي المؤمن». خرج المريد الصادق من ديار الهوى إلى بادية الطلب، فجن عليه ليل التحير فجن، فإذا نار القرى تلوح إن حملت رجل الرجل.للمهيار: كرب المحب بالنهار يشتده لمزاحمة رقباء المخالطة، فبلبل بلباله يتبلل في قفص الكتم، فإذا هبّت نسيمُ السحر وجد بروحه روحاه يصل من قصر مصر المنى إلى أرض كنعان الأمل، فيقدم ركب الشوق يتجسس النسيم، من فرج الفرج ولَهَ وَلَهٌ، فنهض توق الشوق فتكلم قلم الشكوى، ورقم وصف القوم وحكى ما حاكى، وكنى عن ما كنى. إذا اعتكر الليل اعترك الهم، طال الدجى على الأبدان وقصر على القلوب. لو رأيت رواحل الأبدان قد أنضاها طول السهر وأضناها، فلما هبت نجدية السحر مدت أعناق الشوق فزال كل الكلال.لصردر: دموع الخائفين يحبسها النهار مراقبة الخلق، فإذا جن الليل انفتح سكر الدموع {فسالت أودية بقدرها} أرواح الأسحار أقوات الأرواح، رقت فرقت حرجد الوجد، وبلغت رسائل الحب ومكروب الشوق يرتاح للرياح. كانت بردة العابدة تنادي في جوف الليل: غارت النجوم ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك يا خير محبوب، أفتراك تعذبني؟ وحبك في قلبي لا تفعل يا حبيباه. يا غافل القلب، ما هذا الكلام لك؟ ليس على الخراب خراج، لا يعرف البر إلا سائح، ولا البحر إلا سابح، ولا الزناد إلا قادح. لما عشقت اللبلابة الشجر، تقلقلت طلبًا لاعتناق الرؤس ولثم الخدود، فقيل لها مع الكثافة لا يمكن، فرضيت بالنحول، فالتفت فالتقت.
|